Scroll to top

فيرا يمّين

راعني الموقف ان اتحدث عن عصام في حفل تكريمه وعزّت عليّ الوقفة في حضرة الغياب، في حضرة العصام الحاضر هذه العشية وكلنا الى غياب.
ثمانية عشر عاما مرّت على غفلة مرّت على غفوة ولا زال صوته جبلا يتلو شعراً بل يتلو صلاة الشاعر في مركب الغيم الراسي على سفح سيدة الحصن في إهدن مودّعاً صديقه جورج يمّين. مودعاً راثياً ساجداً كافراً غاضباً مكسوراً كما نحن مكسورون الْيَوْمَ و في الإنكسار شيء من بل الكثير من عِزَّة و افتخار، انكسار الشاعر ملح للشعر و حزن الشاعر رغيف القصيدة.
عصام كيف لي أن أمرّ بالحمرا التي شرّدتنا من مقهى الى آخر من جلسة الى أخرى من غير أن أبحث عنك ملقية التحية مع بعض ثرثرة على ضفاف الكلام. كيف لي أن أعانق أحداً آخر فيما خيالك يراقب مع بعض من حرد يلامس الغيرة.
كيفك عصام؟ بل كيفنا نحن في بلد ندر فيه الشعر و كثر فيه الضجيج، قلّ فيه الشعراء و كثر محترفو الكلام الآني، انعدمت فيه الثقافة و فرّخ المثقفون. عصام العبدالله يا قامة يلويها التواضع، يا واقفاً مع إنحناءة الطيّب، يا ملتزماً القصيدة عقيدة.
ماذا أقول فيك وأي كلام يفيك، وفِي لحظة الحب والحزن يتناثر الكلام عطراً على رصيف العمر الحائر بين بيروت المدينة التائهة بين الهوى والهوية وضياع ضائعة بين نعاس و نزوح ولو ان ضيعتك تسللت من الحرب و حلّقت وحدها نصبت الخيام للضوء ومن سجنها أطلقت الحرية.
و عصام العبدالله افّ غيم ضيعته صرّة فكان المهاجر داخل الوطن، يفترش أرصدته و المدن ينادي على الاحبة يصفّهم على عربة العمر وجهاً وجهاً ويحبّر افكارهم ليسيل النقاش.
عصام العبدالله أيها الشره وانت تأكل وانت تشرب وانت تنظر وانت تحب، نهمك صورة صوتية تظهر هذا الطفل الشقي الذي يأبى ان يغادرك، طفل ينكزك يوكظك، يستفزك، للعبث، للهو، لإعادة تركيب الكلمات كلمة كلمة، حرفاً حرفاً، حباً حباً.
“لا تكتب بالقلم عن جورج يمّين، تدبر لك ريشة أو غزّارة أو فرشاة، غطّ الريشة في النسيم وغطّ الغزّارة في النهر، والفرشاة في الغروب وحاول ان ترسمه رسماً أو تشير اليه إشارة، ذلك لان جورج يمّين يهلّ ولا يأتي، يغيب ولا يروح. “
حين سمعتك وانا الملتحفة حزني حاولت ان اعبط كلماتك قصفة عزاء، كيف لك ان تمنحني كل هذا العزاء من دون ان تخبرني أو تهمس لي انك تقلد جورج و تعلّق على خشبة المرض تذوق خلّ الوجع وتغمض عينيك مصلوباً محبوباً.
نم يا صديقي فلا زال في بلدنا بعض من جمال ، و غداً قد يذوب هذا البعض ولن نجد إلاّ القحط و الجفاف و التصحّر الفكري حيث لا موطئ لك ولا مكان. غادرت في الوقت الصحيح لأنك صحيح