Scroll to top

تميم البرغوثي

خرجنا من القاهرة إلى بيروت مستوحشين، فمنحنا أنساً، وأعارنا وطناً ولم يسترده، كان وجوده يستأنس ليل مدينة لا نعرف فيها الكثيرين، فيصبح ليلاً صديقاً، وقليلاً ما كان الليل صديقاً للرحل المستوحدين من أمثالنا. يمد كفه مرحباً ومشيراً أن نجلس قربه، ودخان قهوته يصعد شبه شفاف ليكتب فوقنا عبارة أن “لا بأس عليكم”…
وفي الناس من تعرفه عشرين عاماً ولا تألفه، وفي الناس من تألفه من جملته الأولى…

وهو ناقد حاد السمع والبصر، رقيق القول رحيم الأحكام. وكان إذا قابله التاريخ بقبح ما ضخم التقاسيم، طلى أنف القبح بالأحمر والأبيض وسخر منه حتى يختفي، ويوزع البهجة على أصحابه كالخبز في العرس الإنجيلي، تكفي الكسرة منه أهل البلد جميعاً. و كان يدرك أن الجمال أعلى من التاريخ، قد يزوره أحياناً مستجيباً لإلحاح الشعراء، وكان عصام منهم، من هؤلاء اللذين يلحون على الجمال أن يزور التاريخ من حين لآخر، لكنه يعلم أن الجمال لا بد وأن يعود إلى منبعه العالي كل حين، ليبقى جمالاً ولا يأسره التاريخ.

بل إن أبا حازم نفسه كان زيارة من زيارات الجمال المطلق هذه، وإن يكن عاد إلى حيث يعود الجمال، فإننا شاكرون له، وسنبقى نعد له فنجان قهوته، في بيروت، وحيث كنا، فالوطن الذي أعارنا إيها ما زال عليه اسمه وعنوانه