Scroll to top

مريم شقير ابو جودة

تيبس أشجار العمر
الشعراء لا يرحلون ، قصائدهم تبقيهم هنا

أوراقُ الزمن ، ليست هي التي تتساقط في نهاية كل عام ..
نحن الذين تصفرُّ أوراقُ أعمارِنا ، فنسقط في النهايات .
نحن الذين ، كلّ سنةٍ نجلسُ أمام طاولة الروح ، لنقومَ بجردة حسابات الجسد ، كأنما نجلس أمام مرآةٍ لا تتغير صفحتها البيضاء ، لكن وجوهنا ، وأقلامنا ، ومحابرنا هي التي تتغير ، فنرى على سطحها أعماقا لنا تختلف وتتغير كلما دارت عجلة الوقت.
كنت أعتقد أن شجرة الابداع أوراقها تبقى خضراء رغم أنف الأزمنة ، تبقى عالية وثرية بالفنن والطير والنسمة والعطر ، لكن الزمن لا يترك من عواصفه شجرة ولا نهرا ولا دالية..
الزمن الصبي الدائم العبث ، يعدو على دروب الحياة قويا في منتهى العنفوان ، ونحن الذين نشيخ ونهرم وتصفر أوراقنا وتذوي أعمارنا فنسقط في الموت..
كنت أعتقد أن الشعراء يخلدون في قصائدهم ويخلدونها ، فاكتشفت أنهم أيضا يموتون ، في الشهر الثاني عشر لهذا العام ، ثمة موت كثير ، ثمة أوراق كانت في منتهى الاخضرار والتبرعم اصفرت وسقطت في الرحيل..
كبير رحل
عصام العبد الله ، أبو حازم ، رفيق الصبا والقصيدة ، شقيق البوح ، حامل القصيدة المحكية من الشارع إلى القصر ، رسام خط النمل ، صانع هيل الكلمات ، صاحب الابتسامة التي لا تغيب ، رسام الفكرة التي من ضوء وبريق ..
عصام العبد الله الطفل الكبير الصغير رغم سنواته المتراكمات ، كم جمعتنا لقاءات ، وأحاديث ، كم كنت أفال بالحياة حين ألتقيه أو أقرأه ، ياما كنت أقول لك فصحاك أروع من محكيتك فكان يضحك ويصرخ بي أنا أكتب بالعقل الذي أفكر به ، يا مريم المحكية لغة قلوبنا ، اسمعي قلبك حين ينبض هو ينبض بلغة الناس..
كم كنت حكيما يا عصام ، وكم كنت شاعرا وإنسانا بلا حدود ..
ربما خلال السنوات الماضية لم نلتق ، لم تجمعنا الأمسيات والأنشطة الثقافية ، أنا ذهبت إلى العزلة والصحافة والحفيدات ، وأنت بقيت تلاحق فراشات الشعر في الشوارع والحقول .
ربما لم نتصافح ، ولم تلتق أصواتنا ، لكنني كنت أتابعك ، أقرأك ، أهاتفك أحيانا ، وتصغي إلي وأصغي إليك..
كنا نجتمع على محبة رغيف القصيدة ، نتفق على توزيعه على العامة والنوارس وطيور الغابات ..
لم يفاجئني غيابك ، كنت أعرف أنك كما كل الأشجار العاليات ستيبس ذات خريف ، كلنا على طريق اليباس ، لكن غيابك أبكاني على كل شيء جميل تبقى ، على كل ما تبقى ولا نسعى للمحافظة عليه ، على محبة تتناقص ، ولقاءات تضمحل ..
عصام أنت ستلتقي غدا في السماوات العالية من سبقوك و من سيلحقون بك ، نحن سنبقى هنا واقفين في محطات الانتظار..
أنت الباقي هناك وهنا، ونحن ننتظر انكسارنا في المرايا