Scroll to top

هالة نهرا

شاعر المحكية (اللبنانية) عصام العبدالله، الحكّاء الأنيق، “حارس شارع الحمراء”، الجليس اللبق، الرجل الأمين، المجيب على البديهة، الذي غمر الجميع تقريباً في الوسط الثقافي والأدبي بعاطفةٍ أبوية نبيلة، سيد الإلقاء المحكم الذي تخاله معه سَفراً، نجم مقاهي بيروت… الذي كان يقوم بارتجال الفكاهة والدعابة على نحو غير مسبوق، عاشق اللغة العربية واللهجة المحلّية بالتماعاتهما المجترَحة، المنشغف بالحياة… قرّر أن يزاول أفياءه منسحباً من معركة الدنيا، “على حصانه الذي تعوّد مصاحبة البرق”، على حد تعبير عماد العبدالله الذي كتب اليوم في صفحته في “فيسبوك”: “رحل عصام، إبن أمي، أخي، وصديقي…”.

فارس الساحات النخبوية هو عصام العبدالله، شعبيٌّ في بساطته ومسلكه، أصيلٌ ومغامرٌ بحنكة وطيبة، مفتونٌ بالجمال العظيم ومفتّش ببراءة استثنائية عن الدهشة. مَن عرفه من كثب عرف صفاته التي لا تميل إلى المغيب. كان مؤثّراً في إشراقاته وقد نصع بالحقّ.

في القعدات المريحة كان يحلو له أن يتلو درره بناءً على طلب أو إلحاح أصدقائه وهواة شعره.

دواوين عصام العبدالله مرفقة بكاسيتات تشتمل على قصائد مسجَّلة بصوته مع موسيقى للفنّان زياد الرحباني، وقد غنّى له الفنّان مرسيل خليفة “ما بَعْرِفُنْ”: “ما بعرفُن ما شايفُن/ لفّوا وجوهُن بالقهر/ خبّوا سلاحُن بالوعر/

خبّوا أساميهم/ ما في حدا بيشوفْهن/ إلاّ إذا ماتوا/ وتعلّقوا مثل التحف مثل القمر عم ينخطف…”. هذه الأغنية لاقت أصداء واسعة في ظل الحرب الأهلية حين انتصبت المقاومة اللبنانية وتبدّى مدّ حركة التحرّر الوطني (بمعناها الواسع والعميق).

كان عصام العبدالله وطنياً حتى النخاع ومحباً للمرأة والمدينة. إنه من آل العبدالله في الخيام لكنه ولد في أنطلياس.

غيابه، قبيل بداية العام الجديد 2018، فجوةٌ في المشهد الثقافي والشعري اللبناني، وشوكةٌ في خاصرة القصيدة، تقلعها ضحكته الملعلعة. هكذا نتذكّر عصام العبدالله بوجهه البشوش ووَقْع قامته وحضوره، بكلماته الثمينة مثل الجوهر الحرّ. شاعرٌ بتميّزٍ كهذا يبقى حاضراً على الرغم من رحيله. الأجيال الجديدة والقادمة ستدرس شعره وتحفظه وسيلهم عصام العبدالله العديد من الكتّاب والأدباء والشعراء والمبدعين. هذه الشعلة لن تنطفِئ لأنها من ضوء مصابيح الكلام وصلاة الصبح ونور الفجر ولون الافق