Scroll to top

اختراع

كان ينظر في الكتابة، ثم ينظر في الأصابع، فيرى المتهم، من زمان، كان يحمل القلم مسؤولية كبيرة. كان يشك بأن القلم هو سبب هذا الاحتفال العام بالحبر. ولماذا كان ينظر في الأقلام، طولها وعرضها، وألوانها وأسمائها وأسعارها، كان يلفته ما يريب. وكان كلما كتب، فكأنه يمتحن القلم. لذلك، أخذته فكرة اختراع قلم جديد.
أخذ ورقة وكتب بإصبعه الرسالة التالية:
حضرة مدير الشركة اليابانية الفلانية المحترم.
أنا مواطن لبناني، اراسلك من بيروت، لأقدم لك وللحضارة، اختراعاً أراه مفيداً، وألفت الى أنني متبرع بحقوق الاختراع للجمعيات الخيرية التي ستتضاعف أعمالها بعد انتشار هذا الاختراع.
حضرة المدير،
إنني مضطر لشرح كافة التفاصيل المتعلقة باختراعي، لذا أرجوك متابعة القراءة شخصياً وعدم إحالة رسالتي على المستشارين.
الاختراع عبارة عن قلم مركب. قلم حبر سائل أو ناشف، تضاف اليه بعض الصناعات التي تشتهر شركتكم بها، مثل العقول الالكترونية، ماذا يا حضرة المدير، لو ركبنا في القلم عقلاً الكترونياً بحجم صغير جداً. وماذا لو برمجا العقل بناء على المخطط التالي:
نلقن العقل الآلي، كل النصوص القديمة، والكتابة، والسياسة والتاريخ. نزوده بمعارف الكتابة ونطعمه آلاف المجلدات والقصائد والحوادث.
كلما كتب أحد بالقلم نصاً منقولاً أو مسروقاً أو مقلداً للنصوص التي يعقلها العقل الآلي، يقوم القلم بحركات احتجاجاً ومعارضة. ولا يستكين الا عندما تضرب عليه الأصابع النظيفة.
وعن حركات الاحتجاج التي يقوم بها القلم، اثبت هذه اللائحة:
عندما يبدأ الكاتب بنبش القبور القديمة ويبدأ السطو على الموجود، يحرن القلم، ويكتب بالأبيض الذي لا يبين.
في حالة السطو الخارجي، يرن جرس في القلم في وجهه، من فوق.
في حالة السطو الخارجي، يرن جرس في القلم يجمع على الكاتب الجيران والمارة وشرطة السير،
في حالة السياسة، وكلما ذكر الكاتب جهة أو طرفاً أو دولة أو مؤسسة أو منظمة، يجب أن يشير الى المبلغ المقبوض، والا صار القلم يزمر كسيارات الدفاع المدني.
في حالة الوطن، يطلق القلم على الكاتب الرصاص، إذا بدأ الكتابة عن الوطن، لأنه الوطن.
حضرة المدير
إن اختراعاً بمثل هذه الحساسية، سيوفر على البشر كثيراً من المآسي التي يعيشون. لذلك أرجو الإسراع بإنتاجه ومراسلتي بشأن أي توضيح. وشكراً.
لم يكن يظن أبداً بأن الشركة اليابانية سترد على رسالته واختراعه، ولكنه فوجئ بالرسالة التالية:
السيد فلان، المواطن اللبناني الذي راسلنا من بيروت، المحترم.
إن سياسة شركتنا يفترض أن تقوم على مسألة الربح لا الخسارة. وأن أي مشروع لا يكون مربحاً لا نجازف بإنتاجه. والقلم الذي اخترعته لا يمكن أن يشتريه أحد.
ولكن لا تيأس، حبذا لو تراسلنا دائماً، فربما عثرنا لديك على اختراع آخر.
ضحك كثيراً… ثم لما انتهى، نظر الى اصبعه وكان مطيعاً، فحمد الله.