Scroll to top

القتل للأصحّاء فقط

يثير الربية، ذلك الحنان المفاجئ الذي أصيب به المسؤولون الشرعيون وسواهم. وقد بدأ الحنان واضحاً ورؤوفاً خاصة في الأيام الأخيرة. والمقصود بالحنان، ذلك الحب الغامر للشعب. إذ أن محبة الشعب كانت وما زالت الشغل الشاغل للحكام ومن يملكون سلطة الموت والحياة.
وقد ظهرت المحبة الجارفة من خلال تصرف المسؤولين إثر حادثة المفاعل النووي السوفياتي. لقد سارع الجميع بلا استثناء. الذين مع اميركا او ضدها او معها وضدها في آن. والذين مع روسيا أو ضدها او معها وضدها في آن. جميعهم اظهروا حرصهم الشديد على صحة شعبهم ومواطنيهم. فاجتمعوا وتدارسوا في القصر الجمهوري وفي غيره من قصور الجمهوريات التي هي بصدد البزوغ. الإجراءات المفترضة لمواجهة الإشاعات القاتلة. إذ لا يجوز ان يترك الشعب فريسة الإشعاعات تفتك به كما فعلت بقطيع من الأغنام تم قتله وطمره بسرعة.
أنشأت الدولة غرفة مركزية لعمليات مكافحة الإشعاع. وغرفاً في المحافظات وصرح رئيس الجمهورية ان الخطر الداهم يجب ان يوحد الجهد في سبيل مواجهته.
فعلاً ترى عجباً. وتعتمد بأن نوبة المحبة هذه مربية وان وراء الاكمة ما وراءها.
ففي الليل وفي النهار حملة مطاردة مدججة بأنواع التكنولوجيا الحديثة للكشف عن الإشعاعات ورصدها لتجنيب المواطن مخاطرها. وفي الليل والنهار أيضاً حملة مطاردة مدججة بأنواع التكنولوجيا العسكرية لإقحام المواطن في مخاطرها. والحملتان طبعاً في سبيل سعادة الشعب العزيز. يذهب بعض الخبثاء إلى أن مكافحة الإشعاعات موقف اضطر إليه المسؤولون. كلهم، بسبب الحرب. فالحرب الدائرة هي التي دفعتهم الى اتخاذ الإجراءات السالفة الذكر.
إذ لو فتك الإشعاع بالمواطنين جميعهم. فكيف تستمر الحرب ليربح من يربح ويخطب من يخطب. ويقبض من يقبض. ماذا لو نام اللبنانيون وما افاقوا. كيف يتصرف القادة الذين يقودون القطيع المصاب بالعمى والطرش الى مقبرة جماعية ثم يهيلون عليه التراب. من يصفق لهم، من يتلفن لهم، من يتواسط معهم لو أصيب الشعب بما أصيب به القطيع؟ لذلك يحرص المسؤولون على صحة الشعب حرصهم على متابعة الحرب.
ويذهب البعض الآخر من الخبثاء للقول بأن سبب مكافحة الإشعاعات أمر نفسي عند المسؤولين فإذا اطلقت المدافع على المصرف الدامي في الضاحية. أو فخخت سيارة في الشارع الدامي في سن الفيل. فيجب ان تكون الضحايا غير ملوثة بالإشعاعات. يجب ان يتم القتل كاملا. للأصحاء فقط. أما الملوثون بالإشعاعات فإن قتلهم يعني كأنك تقتل المقتول وهذا ما لا يريده المسؤولون لأنه ليس بطولة وهم مولعون بالبطولات على اختلافها. إضافة الى أن تسابقاً يجري بين المسؤولين عن القتل من جهة، وبين الإشعاع من جهة ثانية. ويفترض كما تقضي اللعبة. لكي يربح المسؤولون ان يمنعوا الإيقاع من القتل وينفردوا هم بالمرمى ويحققوا الإصابة القاتلة في الوقت الضائع بين الجنازة والجنازة.