Scroll to top

برميل السلطة

من يرغب من الاخوة المواطنين في مراقبة مظاهر الوحدة بين البيروتين. سيرى عجبا. ثمة حالة نادرة لا يأتيها الباطل ابداً. إذ كيف لا تكون وحدة عندما تكون المدينة واحدة والسلطة التي تحكمها واحدة ايضاً. يصير الكلام عن البيروتين. خرافة عندما يلاحظ المواطن وحدة السلطة في الجهتين. السلطة الموجودة بكثافة شديدة حتى لهي ترى بالعين المجردة.
في الشوارع والزواريب والأزقة سلطة حديدية يطمئن اليها المواطن ويأنس. سلطة الخوازيق وسلطة البراميل. كيفما اتجهت ترى المدينة معتقلة وشوارعها مربوطة الى وتد والوتد الى جنزير والجنزير الى حزب او تنظيم او طائفة.
ما ألطف الخوازيق. يتعمد المواطن المرور حيث تتمركز سلطة من حديد ملون. مطمئنا يتجول المواطن بين الوتد والوتد. بين البرميل والبرميل حديث حراس الأمن المخوزق يسهرون ليل نهار. وقوفاً. من أجل راحته وسعادته.
ففي بيروت الواحدة، تدب الغام سيارة تفتش عن مكان للهبوط والوقوف. لتنفجر فيما بعد دفاعا عن هذه القضية او تلك. وانتقاما من هذا الخصم او ذاك. ماذا تفعل المدينة المعرضة لمثل هذه الأنواع من النضال. يخرج أصحاب الحوانيت الى الشارع العام، يحجزون الهواء المقيم أمام متاجرهم. يدق التاجر وتدا هنا ووتدا هناك ثم يربط بينهما بجنزير غليظ له قفل ومفتاح يوقف سيارته بينهما ثم يقفل عليها ويطمئن. لن يسرق أحد السيارة. ولن تنفجر سيارة غريبة إذ لا مكان لوقوفها. يغار أصحاب البيوت فينزلون بدورهم الى الشارع يحجزون الهواء الباقي لسياراتهم. وتعم الخوازيق. ثم لما يلتوي خازوق او ينكسر او يضيع مفتاح القفل او يأكل أحد القفل او يبتلع الجنزير او يطلق النار على الهواء فيصاب القفل. ينزل البرميل الى الساحة. ضخما مليئا بالرمل الناعم الصلب. كان الخازوق استنجد بأبيه فلباه. والمواطن المتجول لسبب او لآخر في بيروت الصابرة يتعمد المرور حيث السلطة تحميه وتدافع عنه. يتعمد المرور بين الخوازيق والبراميل خوفاً من انفجار يطيره الى صفحة الوفيات في جرائد الصباح وإذاعاته.
ما الطف أمن البراميل. لا يشك المواطن بفعالية البراميل خاصة إذا كان ملونا والتلوين عادة قديمة ما زالت صالحة للخدمة. فالألوان في الاعلام وفي الخوازيق والبراميل رمز لكل ما في المدينة من أفكار وأحلام. يدهن البرميل بألوان الحزب. يصير حزبياً بانتمائه الى جغرافيا الحزب التي قد تكون زاروباً. والى تاريخ الحزب الذي قد يكون ليلاً واحداً وبدون نهار.
وجهاز أمن الخوازيق والبراميل جهاز حديث. لا تراقب في الوظيفة. فكل الخوازيق متشابهة وان تغيرت ألوانها. وهي لا تتقاضى ثمن اتعابها على أساس انها منذورة للخدمة العامة. فقط تضيق المدينة قليلاً. ويقترب الناس من بعضهم ويحشرون في مساحة لا تكفي ولكنها أرحب من المستشفى ومن صفحة الوفيات.
أيجوز بعد هذا ان “ينق” المواطن بحثاً عن الأمن المنتشر في كل مكان، والذي يوحد البيروتين ويربطهما الى خازوق وبرميل مليء بالرمل والثرثرة؟!