Scroll to top

صباح الخير يا خيام

الصباح الخيامي هادئ ويلسع. ينهض ورد سهل. الأشجار تطلق عصافيرها للغناء، والقطعان تكرج نشطة نحو السهل. تخرج من عينك المسافات حرة وموصولة بالندى تدير الخيام وجهها الى الغرب ولا تصل البحر. أبوها جبل الشيخ وأمها الأخطاء. يتجه الأطفال نحو الصيف، والسيارات نحو المدينة، والمتعلمون الى الجرائد. كهذا تبدأ الخيام.
الخيام بعيدة عنك. بينكما حرب وجيوش وحواجز وجثث منشورة على الجدران، وقبور وخرائط قيد الإنجاز.
بعيدة وممتنعة عنك. أنت لا ترجع إليها، وهي تنتظرك خراباً ساحراً في الربيع. يخبرك بعض الأصدقاء بأن الخيام تدخل حافية ووحيدة الى خضرة الشعب. يخبرونك بأنها تسيل الى السهل كغابة تتدحرج نحو الماء: أو هي ماء يتسلق الجبل ويتولد الحجر شجراً يقيم في بقايا البيروت.
لم يبق لك منها سوى القليل. اللهجة في أغلب الأحيان، وصور في الذاكرة. بعض الحب وبعض العداءات تزاحمها يوميات العيش والتعب.
انت لا تذهب الى الخيام بل تستبدلها كما يفعل الآخرون. تحتل ثقباً في المدينة وتشتري ورداً وعشباً وتسمي الخيام. تنتبه للطعام فتحاول استحضاره ببعض «الأكلات» الخيامية. تستبدل المقبرة «الميدان» و»الحسينية» وتستبدل نزهة الغروب الى «الجلاحية» بأرصفة المقاهي، وتنتظر حتى تأتي اليك الخيام مختصرة جداً ولاذعة.
تصلك بطاقة باهتة الخضرة تعلنك مهجراً رسمياً. بطاقة تعترف بك وتعدك بالإغاثة.
لماذا تستفزك تلك البطاقة مع أنها زوادتك في مستقبل الأيام؟
تدخل كروم الزيتون الى البطاقة وتصبح زيتاً والغنم الصباحي في البطاقة سمن. والسهر على القمح المسلوق يصبح أرزاً وسهول القمح طحيناً. هذه البطاقة تختصر الخيام وتختصرك وتجعلك مهجراً عمومياً تحمل رقماً ولك موقف أمام مكاتب الإغاثة. هذه البطاقة تعلن وصول الخيام الى المعدة وابتعادها عن الروح.
تحس بغضب يفتح شهيتك على الموت والسياسة والشتائم، فتكتم الصرخة ببقايا عقل مخرب وخوف ضروري.
أنت تستبدل الخيام فهل تستبدلك هي أيضاً؟ يقول الشاهد أنها لم تستبدلك بعد. وبأن الحجارة ضد الغرباء وبأن الزيتون لا يصالح بل ينتحر. وبأن التين يعاود حضرته مرغماً، وأن الطريق التي تشطر الخيام الى حارتين ما زالت صالحة للفلاحة.
لم تستبدل الخيام حتى الآن ولكن ذكريات القرى الفلسطينية تعلن هذا الاحتمال. وأنت تبدأ خرابك علناً وتعرف ان الطريق الى الخيام هي الطريق الى فلسطين، لذلك تنحني نحو السماء. تستقبل البطاقة وتجمع أطفالك حولك وتخبرهم بأن في «دار الحوش» بيتاً عمره جدهم بتعب العمر، وتسر إليهم كلاماً لا يكتب، وتترك في عيونهم ماء يشبه الندى، وفي ذاكرتهم بعض الأسماء والحكايات. ولا تنسى ان تعلمهم الخيام.